برنامج بريسكوب (Periscope) كان أكثر من مجرد تطبيق، لقد كان نافذة فورية تطل على لحظات حية من جميع أنحاء العالم، مباشرة من هاتفك. قبل أن يصبح البث المباشر ميزة أساسية في كل منصة تواصل اجتماعي تقريبًا، جاء بريسكوب ليقدم هذه التجربة السحرية ببساطة لم تكن معهودة. استحوذت عليه شركة تويتر حتى قبل إطلاقه الرسمي في 26 مارس 2015، لإيمانها العميق بأن مستقبل التفاعل يكمن في الفيديو المباشر.

الفكرة الأساسية للتطبيق كانت تمكين أي شخص لديه هاتف ذكي من أن يصبح مراسلاً ميدانياً، يشارك ما يراه ويسمعه مع متابعيه على تويتر أو داخل مجتمع بريسكوب نفسه. لم يعد الخبر حكرًا على القنوات التلفزيونية، بل أصبح كل مستخدم مصدرًا محتملاً للمعلومات والأحداث.

🔭 ما هو بريسكوب (Periscope) بالضبط؟

بريسكوب هو تطبيق ومنصة للبث المباشر (Live Video Streaming) كان متاحًا على أنظمة التشغيل iOS وأندرويد، بالإضافة إلى نسخة ويب للمشاهدة. بمجرد ربطه بحسابك في تويتر، يمكنك بدء بث مباشر بضغطة زر. كان المشاهدون يتفاعلون معك في نفس اللحظة عبر إرسال التعليقات التي تظهر على شاشتك، أو إرسال "القلوب" كشكل من أشكال التشجيع، والتي كانت تتطاير على الشاشة بألوان زاهية لتعكس مدى إعجاب الجمهور بالمحتوى.

أحد أسباب تسميته بهذا الاسم هو أنه يشبه المئفاق (Periscope)، الأداة البصرية المستخدمة في الغواصات لرؤية ما فوق سطح الماء. وبالمثل، أتاح التطبيق للمستخدمين "رؤية" عوالم وأحداث لم يكونوا ليصلوا إليها لولا هذه التقنية.

✨ أهم ميزات برنامج بريسكوب التي صنعت شعبيته

لم تكن شعبية بريسكوب وليدة صدفة، بل كانت نتاج مجموعة من الميزات المبتكرة التي جعلت تجربة البث المباشر سهلة وممتعة وتفاعلية إلى أقصى حد.

البث السهل والفوري

كانت بساطة الاستخدام هي جوهر بريسكوب. كل ما تحتاجه هو فتح التطبيق، كتابة عنوان جذاب لبثك، ثم الضغط على زر البث. في ثوانٍ، يصل إشعار إلى متابعيك على تويتر وبريسكوب بأنك "مباشر الآن"، لتبدأ المغامرة.

التفاعل اللحظي بالقلوب والتعليقات

أثناء البث، لم تكن تتحدث إلى فراغ. كانت تعليقات المتابعين تتدفق مباشرة على الشاشة، مما يتيح لك الرد على أسئلتهم والتفاعل معهم وكأنهم معك في نفس الغرفة. أما القلوب، فكانت بمثابة مقياس فوري لمدى رضا الجمهور، فكلما زادت القلوب، زاد الحماس.

🗺️ خريطة العالم التفاعلية

واحدة من أروع ميزات بريسكوب كانت الخريطة. يمكنك فتح خريطة العالم ورؤية نقاط حمراء نشطة تمثل كل بث مباشر يحدث في تلك اللحظة. من خلال النقر على أي نقطة، تنتقل فورًا إلى ذلك البث، سواء كان حفلًا موسيقيًا في طوكيو، أو جولة سياحية في شوارع روما، أو نقاشًا حيًا في نيويورك.

إعادة البث (Replay)

لمن فاته البث المباشر، قدم بريسكوب ميزة "إعادة البث" التي كانت تحفظ الفيديو لمدة 24 ساعة بعد انتهائه. خلال هذه الفترة، يمكن للمشاهدين رؤية الفيديو مع كل التعليقات والقلوب التي ظهرت أثناء البث الأصلي، مما يحافظ على جزء كبير من التجربة التفاعلية.

🔒 البث الخاص

لم تكن جميع عمليات البث عامة. أتاح لك بريسكوب خيار بدء "بث خاص" (Private Broadcast) ودعوة متابعين محددين لمشاهدته. كانت هذه الميزة مثالية لمشاركة اللحظات العائلية، أو عقد اجتماعات عمل مصغرة، أو إجراء جلسات تدريبية حصرية.

💼 كيف استخدم العالم تطبيق بريسكوب؟

تجاوز استخدام بريسكوب حدود التسلية الشخصية ليصبح أداة قوية في أيدي المحترفين والمؤسسات.

• الصحافة والإعلام: استخدمه الصحفيون والمراسلون لنقل الأخبار العاجلة والأحداث من قلب الميدان، مما أعطى الجمهور إحساسًا غير مسبوق بالوجود الفعلي في الحدث.
• العلامات التجارية: لجأت الشركات إلى استخدام بريسكوب في التسويق لإطلاق منتجات جديدة، وعرض ما وراء الكواليس، وإجراء جلسات أسئلة وأجوبة مع المديرين التنفيذيين، مما عزز الشفافية والولاء.
• التعليم والتدريب: قام المعلمون والمدربون ببث محاضرات وورش عمل مباشرة، مما أتاح وصول المعرفة إلى جمهور عالمي بتكلفة شبه معدومة.
• الفنانون والمشاهير: استخدمه الفنانون للتواصل المباشر مع معجبيهم، ومشاركة لقطات حصرية من حفلاتهم أو أعمالهم الفنية، مما خلق رابطًا شخصيًا قويًا.

📉 لماذا اختفى بريسكوب؟ نهاية حقبة

في 15 ديسمبر 2020، أعلنت تويتر أنها ستوقف تطبيق بريسكوب في 31 مارس 2021. القرار لم يكن مفاجئًا للكثيرين، وجاء نتيجة لعدة عوامل متراكمة:

1. انخفاض الاستخدام: مع مرور الوقت، تضاءل عدد المستخدمين النشطين للتطبيق بشكل كبير.
2. المنافسة الشرسة: أطلقت منصات عملاقة مثل فيسبوك وإنستغرام ميزات البث المباشر الخاصة بها (Facebook Live و Instagram Live)، والتي كانت مدمجة مباشرة في تطبيقات يستخدمها المليارات بالفعل، مما سحب البساط من تحت أقدام بريسكوب.
3. تكاليف الصيانة: أصبح الحفاظ على تطبيق منفصل ببنية تحتية ضخمة مكلفًا للغاية، خاصة مع تراجع الإقبال عليه.
4. الاندماج مع تويتر: أدركت تويتر أن المستقبل يكمن في دمج ميزات البث المباشر مباشرة في تطبيقها الرئيسي بدلاً من تشتيت المستخدمين بين تطبيقين. أصبحت معظم ميزات بريسكوب الأساسية جزءًا من "تويتر لايف" (Twitter Live).

ورغم إيقاف التطبيق، إلا أن أرشيف البث العام لا يزال متاحًا للمشاهدة عبر موقع بريسكوب الإلكتروني، كما يمكن للمستخدمين الوصول إلى بياناتهم ومقاطع الفيديو الخاصة بهم عبر تويتر.

⚔️ بريسكوب في مواجهة المنافسين

لفهم مكانة بريسكوب الحقيقية، يجب مقارنته بأبرز منافسيه في ذلك الوقت. إليك جدول مقارنة يوضح أهم الفروقات.

🕌 نظرة على المحتوى من منظور شرعي

كأي أداة تواصل حديثة، يظل بريسكوب (ومعه كل منصات البث المباشر) وسيلة محايدة، تعتمد قيمتها على طبيعة استخدامها. يمكن استخدامه في نشر العلم النافع، والمحاضرات القيمة، ومشاركة الأحداث المفيدة، وهذا يُعد استخدامًا إيجابيًا ومطلوبًا.

في المقابل، هناك احتمالية لاستخدامه في بث محتوى قد يتعارض مع التعاليم الإسلامية، مثل الموسيقى الصاخبة، أو التفاعلات غير اللائقة بين الجنسين، أو استعراض أمور تخالف الحشمة والآداب العامة. من المهم للمستخدم المسلم أن يكون واعيًا لهذه الجوانب، وأن يحرص على استخدام هذه التقنية فيما يرضي الله، وتجنب مشاهدة أو إنتاج المحتوى الذي يخالف الضوابط الشرعية والأخلاقية.

🚀 مستقبل البث المباشر: إرث بريسكوب

قد يكون تطبيق بريسكوب قد اختفى، لكن إرثه يعيش بقوة. لقد كان الشرارة التي أشعلت ثورة البث المباشر الاجتماعي، وأثبت للعالم أن هناك تعطشًا هائلاً للمحتوى الفوري، الخام، وغير المصقول. الميزات التي ابتكرها، من التعليقات الحية إلى القلوب التفاعلية، أصبحت اليوم معيارًا أساسيًا في أي خدمة بث مباشر.

اليوم، عندما تستخدم ميزة "البث المباشر" على تويتر (X)، فأنت في الحقيقة تستخدم التطور الطبيعي لبريسكوب. لقد تم دمج روحه وتقنيته في قلب المنصة الأم، ليواصل مهمته في جعل العالم مكانًا أكثر انفتاحًا واتصالاً، بثًا مباشرًا في كل مرة.